فصل: تفسير الآية رقم (29):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أيسر التفاسير لأسعد حومد



.تفسير الآية رقم (24):

{وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ (24)}
{رَّأَى}
(24)- وَيَقُولُ بَعْضُ المُفَسِّرِينَ إِنَّ نَفْسَ يُوسُفَ حَدَّثَتْهُ بِالمَرْأَةِ فَرَأَى شَيْئاً مِنْ آيَاتِ اللهِ أَعَادَهُ إِلَى عَقْلِهِ، وَتَرَاجَعَ عَمَّا هَمَّتْ بِهِ نَفْسُهُ، وَبِذَلِكَ صَرَفَ اللهُ عَنهُ السُّوءَ، وَعَمَلَ الفَاحِشَةِ، لأَنَّهُ مِنْ عِبَادِ اللهِ المُخْلَصِينَ.
(وَاخْتَلَفَ المُفَسِّرُونَ حَوْلَ الآيَاتِ التِي رَآهَا يُوسُفُ فَأَيْقَظَتْهُ، فَقِيلَ إِنَّهُ رَأَى صُورَةَ أَبِيهِ يَعْقُوبَ يُحَذِّرُهُ، وَقِيلَ إِنَّهُ رَأَى صُورَةَ رَبِّ البَيْتِ، وَقِيلَ أَيْضاً إِنَّهُ رَأَى بَعْضَ آيَاتِ اللهِ مَكْتُوباً عَلَى الجِدَارِ...).
وَلكِنَّ أَكْثَرَ المُفَسِّرِينَ عَلَى أَنَّ يُوسُفَ لَمْ يَقَعْ مِنْهُ هَمٌّ بِهَا وَيَسْتَدِلُّونَ عَلَى مَا يَذْهَبُونَ إِلَيهِ مِنِ اسْتِعْمَالِ النَّصِّ (لَوْلا) التِي هِيَ فِي اللُّغَةِ العَرَبِيَّةِ بُرْهَانَ رَبَّهُ لَهَمَّ بِهَا، فَوُجُودُ الهَمِّ مِنْهُ يَقُومُ عَلَى انْتِفَاءِ رُؤْيَةِ البُرْهَانِ وَلكِنْ وُجِدَتْ رُؤْيَةُ البُرْهَانِ فَانْتَفَى الهّمُّ مِنْ جَانِبِهِ.
وَقَدْ بَرَّأَ اللهُ يُوسُفَ، عَلَيْهِ السَّلامُ، فِي الآيةِ وَقَالَ إِنَّهُ صَرَفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالفَحْشَاءَ لأَنَّهُ مِنْ عِبَادِ اللهِ الذِينَ أَخْلَصَهُمْ رَبُّهُمْ لِطَاعَتِهِ عَنْ فِعْلِ مَا يَشِينُهُمْ مِنَ المَعَاصِي.

.تفسير الآية رقم (25):

{وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (25)}
{لَدَى}
(25)- وَهَرَبَ يُوسُفُ مِنَ المَرْأَةِ نَحْوَ البَابِ لِيَنْجُوَ بِنَفْسِهِ مِنْهَا، فَلَحِقَتْ بِهِ لِتُرْجِعَهُ إِلَيْهَا، وَأَمْسَكَتْ بِهِ مِنْ قَمِيصِهِ مِنْ خَلْفِهِ فَقَدَّتْهُ وَمَزَّقَتْهُ، وَوَجَدَا (أَلْفَيَا) زَوْجَ المَرْأَةِ عِنْدَ البَابِ، فَأَرَادَتْ أَنْ تَخْرُجَ مِنْ هَذا المَوْقِفِ المُحْرِجِ بِكَيْدِهَا وَمَكْرِهَا، فَاتَّهَمَتْ يُوسُفَ بِأَنَّهُ رَاوَدَهَا عَنْ نَفْسِهَا، فَقَالَتْ لِزَوْجِهَا: مَا جَزَاءُ الذِي يُرِيدُ بِزَوْجَتِكَ السُّوءَ وَالفَاحِشَةَ، إِلا أَنْ يُسْجَنَ فِي السِّجْنِ، أَوْ أَنْ يُوقَعَ عَلَيْهِ عَذَابٌ أَلِيمٌ، عُقُوبَةً لَهُ عَلَى مَا جَنَتْهُ يَدَاهُ؟
اسْتَبَقَا البَابَ- تَسَابَقَا إِلَيْهِ هُوَ يُرِيدُ الخُرُوجَ وَهِيَ تُرِيدُ مَنْعَهُ.
قَدَّتْ قَمِيصَهُ- مَزَّقَتْهُ وَشَقَّتْهُ.
أَلْفَيَا سَيِّدَهَا- وَجَدَا زَوْجَهَا.

.تفسير الآية رقم (26):

{قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (26)}
{رَاوَدَتْنِي} {الكَاذِبِينَ}
(26)- فَتَبَرَّأَ يُوسُفُ مِنَ التُّهْمَةِ التِي رَمَتْهُ بِهَا المَرْأَةُ مِنْ مُرَاوَدَتِهِ إِيَّاهَا عَنْ نَفْسِهَا، وَقَالَ: هِيَ التِي رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي، وَطَلَبَتْنِي لِفِعْلِ الفَاحِشَةِ. ثُمَّ قَالَ: إِنَّهُ هَرَبَ مِنْهَا نَحْوَ البَابِ، وَلَكِنَّهَا لَحِقَتْ بِهِ، وَأَمْسَكَتْ بِقَمِيصِهِ مِنَ الخَلْفِ فَتَمَزَّقَ. وَقَالَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ المَرْأَةِ: إِنْ كَانَ قَمِيصَ يُوسُفَ تَمَزَّقَ مِنْ قِبَلِهِ (أَيْ مِنَ الأَمَامِ)، فَتُكُونُ المَرْأَةُ هِيَ الصَّادِقَةَ وَيَكُونَ هُوَ الكَاذِبُ، لأَنَّهُ يَكُونُ قَدْ دَعَاهَا إَلَى نَفْسِهِ، وَأَبَتْ هِيَ عَلَيْهِ ذَلِكَ، فَهَاجَمَهَا فَدَفَعَتْهُ عَنْ نَفْسِهَا، وَأَخَذَتْ بِتَلابِيبِهِ فَتَمَزَّقَ قَمِيصُهُ فَيَصِحُّ مَا قَالَتْ هِيَ.

.تفسير الآية رقم (27):

{وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ (27)}
{الصَّادِقِينَ}
(27)- وَإِنْ كَانَ قَمِيصُ يُوسُفَ تَمَزَّقَ مِنَ الخَلْفِ (مِنْ دُبُرٍ) فَيَكُونُ هُوَ الصَّادِقَ وَهِيَ الكَاذِبَةَ، لأَنَّهَا تَكُونُ هِيَ التِي لَحِقَتْ بِهِ، وَهُوَ هَارِبٌ مِنْهَا، فَجَذَبَتْهُ مِنْ قَمِيصِهِ مِنَ الخَلْفِ فَتَمَزَّقَ، فَيَصِحُّ مَا قَالَهُ يُوسُفُ.

.تفسير الآية رقم (28):

{فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ (28)}
{رَأَى}
(28)- فَلَمَّا تَحَقَّقَ زَوْجُ المَرْأَةِ مِنْ صِدِقِ يُوسُفَ، وَكَذِبِ المَرْأَةِ، إِذْ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّ قَمِيصَ يُوسُفَ قَدْ تَمَزَّقَ مِنَ الخَلْفِ قَالَ لَهَا: إِنَّ هَذَا البُهْتَ، وَمَا حَاوَلَتْ بِهِ تَلْطِيخَ سُمْعَةِ الشَّابِّ، هُوَ مِنْ كَيْدِ النِّسَاءِ العَظِيمِ.

.تفسير الآية رقم (29):

{يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ (29)}
(29)- ثُمَّ أَمَرَ صَاحِبَ البَيْتِ يُوسُفَ بِكِتْمَانِ مَا وَقَعَ لَهُ، فَقَالَ لَهُ: اضْرِبْ صَفْحاً عَنْهُ فَلا تَذْكُرُهُ لأَحَدٍ لِكَيْلا يَشِيعَ خَبَرُهُ، وَيَنْتَشِرَ بَيْنَ النَّاسِ. وَقَالَ لامْرَأَتِهِ اسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ الذِي وَقَعَ مِنْكِ مِنْ إِرَادَةِ الفَاحِشَةِ بِالشَّابِّ، ثُمَّ اتْهَامُهُ بِمَا لَمْ يَفْعَلْ، لأَنَّكَ كُنْتِ بِفِعْلِكِ هَذَا مِنَ الذِينَ يَرْتَكِبُونَ الخَطِيئَةَ عَنْ عَمْدٍ وَتَصْمِيمٍ.

.تفسير الآية رقم (30):

{وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (30)}
{امرأة} {تُرَاوِدُ} {فَتَاهَا} {لَنَرَاهَا} {ضَلالٍ}
(30)- يُخْبِرُ اللهُ تَعَالَى أَنَّ قِصَةَ يُوسُفَ مَعَ المَرْأَةِ قَدْ شَاعَ خَبَرُهَا فِي المَدِينَةِ (مِصْرَ)، حَتَّى تَحَدَّثَ النَّاسُ بِهَا، فَقَالَتْ نِسَاءُ الكُبَرَاءِ وَالأُمَرَاءِ يُنْكِرْنَ عَلَى امْرَأَةِ العَزِيزِ (وَهُوَ الوَزِيرُ الأَوَّلُ) فِعْلَهَا، وَيَعِبْنَ عَلَيْهَا مَسْلَكَهَا فِي مُرَاوَدَةِ غُلامِهَا (فَتَاهَا) وَعَبْدِهَا عَنْ نَفْسِهِ، وَدَعْوَتِهِ إِلَى نَفْسِهَا، وَقُلْنَ إِنَّهُ قَدْ سَلَبَ لُبَّهَا مِنَ الحُبِّ، وَإِنَهُنَّ يَرَيْنَهَا فِي ضَلالٍ وَاضِحٍ بَيِّنٍ فِي تَصَرُّفِهِا هَذَا.
(وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الشَّغَفُ هُوَ الحُبُّ القَاتِلُ، وَالشَّغَافُ هُوَ حِجَابُ القَلْبِ، أَيْ إِنَّ حُبَّهُ قَدْ مَسَّ شَغَافَ قَلْبِهَا).
شَغَفَهَا حُبّاً- شَقَّ حُبُّهُ سُوَيْدَاءَ قَلْبِهَا.

.تفسير الآية رقم (31):

{فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّينًا وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ (31)}
{مُتَّكَئاً} {وَآتَتْ} {وَاحِدَةٍ} {حَاشَ}
(31)- فَلَمَّا سَمِعَتْ امْرَأَةُ العَزِيزِ مَقَالَةَ نِسْوَةِ الكُبَرَاءِ التِي أَرَدْنَ بِهَا إِغْضَابَهَا، وَمَا يَتَحَدَّثْنَ بِهِ عَنْ ذَهَابِ الحُبِّ بِهَا كُلَّ مَذْهَبٍ، أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ تَدْعُوهُنَّ إِلَى مَنْزِلِهَا لِتُضَيِّفَهُنَّ، وَأَعَدَّتْ لَهُنَّ مَفَارِشَ وَأَرَائِكَ، وَطَعَاماً مِمَّا يُقَطَّعُ بِالسَّكَاكِينِ، وَأَعَطْتَ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِيناً لِتَسْتَعْمِلَهُ، وَكَانَ ذَلِكَ مِنْهَا مَكِيدَةً، وَمُقَابَلَةً مِنْهَا لَهُنَّ عَلَى كَيْدِهِنَّ. ثُمَّ دَعَت يُوسُفَ إِلَى الدُّخُولِ عَلَيْهِنَّ. فَلَمَّا رَأَتْهُ النِّسْوَةُ أَعْظَمْنَ شَأْنَهُ، وَأَجْلَلْنَ قَدْرَهُ، وَجَعَلْنَ يَجْرَحْنَ أَيْدِيهِنَّ دَهَشاً بِرُؤْيَتِهِ. وَلَمَّا شَكَوْنَ لَهَا مِمَّا أَصَابَهُنَّ، قَالَتْ لَهُنَّ: أَنْتُنَّ فَعَلْتُنَّ هَذا مِنْ نَظْرَةٍ وَاحِدَةٍ، فَكَيْفَ أُلامُ أَنَا؟ فَقُلْنَ لا لَوْمَ عَلَيْكِ بَعْدَ الذِي رَأَيْنَا، فَهَذَا لَيْسَ بَشَراً مِنَ النَّاسِ، وَإِنَّمَا هُوَ أَحَدُ مَلائِكَةِ اللهِ المُكْرَمِينَ.
قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ- جَرَحْنَ أّيْدِيَهُنَّ.
حَاشَ للهِ- تَنْزِيهاً عَنِ العَجْزِ عَنْ خَلْقِ مِثْلِهِ.

.تفسير الآية رقم (32):

{قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِنَ الصَّاغِرِينَ (32)}
{رَاوَدتُّهُ} {وَلَئِن} {آمُرُهُ} {لَيَكُوناً} {الصاغرين}
(32)- وَقَالَتْ امْرَأَةُ العَزِيزِ لِلنِّسْوَةِ تُدَافِعُ عَنْ نَفْسِهَا: هَذَا هُوَ الغُلامُ الذِي لُمْتُنَّنِي لأَنَّنِي شُغِفْتُ بِهِ حُبّاً، وَهَا قَدْ رَأَيْتُنَّ جَمَالَهُ وَبَهَاءَهُ بِأَعْيُنِكُنَّ، فَكَيْفَ لا يَتَعَلَّقُ قَلْبِي بِهِ، وَمِثْلُ هَذَا الجَمَالِ خَلِيقٌ بِأَنْ يُفْتَتَنَ بِهِ؟ وَاعْتَرَفَتْ لَهُنَّ بِأَنَّهَا رَاوَدَتْهُ فِعْلاً عَنْ نَفْسِهِ، وَلَكِنَّهُ اسْتَعْصَمَ وَامْتَنَعَ، وَإِنَّهُ إِذَا لَمْ يَفْعَلْ مَا أَمَرَتْهُ بِهِ، وَيَخْضَعْ لأَرَادَتِهَا، وَإِذَا لَمْ يَسْتَجِبْ لِرَغْبَتِهَا، فَإِنَّهُ سَيُسْجَنُ وَسَيَكُونُ مِنَ المَنْبُوذِينَ المُسْتَكِينِينَ (الصَّاغِرِينَ).
فَاسْتَعْصَمْ- امْتَنَعَ امْتِنَاعاً شَدِيداً وَأَبَى.

.تفسير الآية رقم (33):

{قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ (33)}
{الجاهلين}
(33)- فَاسْتَعَاذَ يُوسُفُ بِاللهِ مِنْ شَرِهِنَّ، وَمِنْ كَيْدِهِنَّ، فَقَالَ: يَا رَبِّ، السِّجْنُ أَهْوَنُ عَلَيَّ مِنَ الاسْتِجَابَةِ إِلَى مَا يَطْلُبْنَهُ مِنِّي مِنْ فِعِلِ الفَاحِشَةِ (وَفِي هَذَا القَوْلِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ النَّسْوَةَ اشْتَرَكْنَ مَعَ امْرَأَةِ العَزِيزِ فِي تَهْدِيدِ يُوسُفَ وَتَخْوِيفِهِ مِنْ عَاقِبَةِ إِصْرَارِهِ عَلَى الامْتِنَاعِ عَنْهَا، وَرَغَبْنَّهُ فِي مُسَايَرَتِهَا، وَالاسْتِجَابَةِ لَهَا)، وَإِنْ وَكَّلْتَنِي يَا رَبُّ إِلَى نَفْسِي فَلَيْسَ لِي مِنْهَا قُدْرَةٌ، وَلا أَمْلِكُ لَهَا ضُرّاً وَلا نَفْعاً إِلا بِحَوْلِكِ وَقُوَّتِكَ، فَإِنْ لَمْ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ، وَتَعْصِمُنِي مِنَ الفَاحِشَةِ، أَسْتَجِبْ لَهُنَّ، وَأَكُنْ بِذَلِكَ مِنَ الجَّاهِلِينَ الذِي تَسْتَخِفُّهُمُ الشَّهَوَاتُ، فَيَجْنَحُونَ إِلَى ارْتِكَابِ المُوبِقَاتِ، وَاجْتِرَاحِ السَّيِّئَاتِ.
أَصْبُ إِلَيْهِنَّ- أَمِلْ إِلَى إِجَابَتِهِنَّ إِلَى مَا يَطْلُبْنَهُ.

.تفسير الآية رقم (34):

{فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (34)}
(34)- فَاسْتَجَابَ اللهُ تَعَالَى لِدُعَائِهِ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ، إِذْ كَفَّتِ المَرْأَةُ عَنْ مُلاحَقَتِهِ وَمُطَالَبَتِهِ بِالفَاحِشَةِ، وَعَصَمَهُ اللهُ مِنْهُنَّ، وَاللهُ تَعَالَى سَمِيعٌ لِمَنْ يَدْعُوهُ وَيَتَضَرَّعُ إِلَيْهِ، عَلِيمٌ بِصِدْقِ إِيمَانِهِ، وَبِمَا يُصْلِحُ أَحْوَالَهُ.

.تفسير الآية رقم (35):

{ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ (35)}
{الآيات}
(35)- وَلَمَّا قَامَتْ الأَدِلَّةُ عَلَى صِدْقِ يُوسُفَ وَعِفَّتِهِ، وَبَرَاءَتِهِ مِمَّا رَمَتْهُ بِهِ امْرَأَةُ العَزِيزِ، رَأَوا أَنَّهُ مِنَ المَصْلَحَةِ أَنْ يَسْجُنُوهُ بَعْضَ الوَقْتِ (حَتَّى حِينٍ)، إيهَاماً بِأَنَّهُ هُوَ الذِي رَاوَدَ امْرَأَةُ العَزِيزِ عَنْ نَفْسِهَا، وَأَنَّهَا كَانَتْ صَادِقَةً فِيمَا قَالَتْهُ عَنْهُ، وَإِبْعَاداً لَهُ مِنَ الدَّارِ التِي فَتَنَ رَبَّتَهَا وَصَدَيقَاتِهَا، وَاسْتَخَفَّهُنَّ حُبّاً وَشَغَفاً، دُونَ أَنْ يَتْرُكَ لَهُنَّ فِيهِ مَطْمَعاً، وَقَطْعاً لأَلْسِنَةِ السُّوءِ التِي أَخَذَتْ فِي اللَّغْطِ فِي قِصَّةِ المُرَاوَدَةِ.

.تفسير الآية رقم (36):

{وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا وَقَالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (36)}
{أراني} {نَرَاكَ}
(36)- وَدَخَلَ السِّجْنَ مَعَ يُوسُفَ عَبْدَانِ مَمْلُوكَانِ لِمَلِكِ مِصْرَ (فَتَيَانِ)، قِيلَ إِنَّ أَحَدَهُمَا سَاقِي المَلِكِ، وَالآخَرَ خَبَّازُهُ، وَقَدْ أتُّهِمَا بِمُحَاوَلَةِ دَسِّ السُّمِّ لِلْمَلِكِ لِلْفَتْكِ بِهِ. وَقَدْ شَاعَ فِي السِّجْنِ مَا عَلَيْهِ يُوسُفُ مِنَ الصِدْقِ وَالصَّلاحِ، وَمَعْرِفَةِ تَعْبِيرِ الأَحْلامِ وَقَدْ رَأَى كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ الغُلامَيْنِ مَنَاماً قَصَّهُ عَلَى يُوسُفَ، وَرَجَاهُ أَنْ يُفَسِرَهُ لَهُ. وَكَانَ السَّاقِي قَدْ رَأَى فِي نَوْمِهِ أَنَّهُ يَعْصِرُ عِنَباً وَيَصْنَعُ مِنْهُ خَمْراً، وَرَأَى الآخَرُ أَنَّهُ يَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِهِ خُبْزاً فَتَأْتِي الطَّيْرُ فَتَأْكُلُ مِنْهُ. وَطَلَبَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ يُوسُفَ أَنْ يُفَسِرَ لَهُ رُؤْيَاهُ، لأَنَّهُ يَرَاهُ مِنَ الذِينَ يُحْسِنُونَ تَفْسِيرِ الأَحْلامِ وَتَأْوِيلِهَا.
أَعْصِرُ خَمْراً- أَعْصِرُ عِنَباً يَؤُولُ إِلَى خَمْرٍ أَسْقِيهِ المَلِكَ.

.تفسير الآية رقم (37):

{قَالَ لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (37)}
{بالآخرة} {كَافِرُونَ}
(37) قَالَ لَهُمَا يُوسُفُ: إِنَّهُ يَعْرِفُ تَفْسِيرَ مَا رَآهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ حُلُمٍ وَسَيُخْبِرُهُمَا بِتَأْوِيلِهِ. ثُمَّ قَالَ لَهُمَا إِنَّهُمَا لا يَأْتِيهِمَا طَعَامٌ إِلا أَخْبَرَهُمَا بِهِ، وَهُوَ عِنْدَ أَهْلِهِ، وَبِمَا يُرِيدُونَ مِنْ إِرْسَالِهِ. (وَقِيلَ إِنَّ مُدَبِّرِي المُؤَامَرَةِ عَلَى المَلِكِ مِنْ رِجَالِ الدَّوْلَةِ كَانُوا يُحَاوِلُونَ إِرْسَالَ طَعَامٍ مَسْمُومٍ إِلى الغُلامَينِ لِقَتْلِهِمَا لِكَيْ لا يُقِرَّا بِشَيءٍ عَنِ اشْتِرَاكِهِمْ بِالمُؤَامَرَةِ) وَهذِهِ القُدرَةُ عَلَى تَفْسِيرِ الأَحْلامِ، وَوَحْيِ الإِلْهَامِ الذِي تَمَتَّعَ بِهِ، هُمَا مِمَّا عَلَّمَهُ اللهُ رَبُّهُ بِوَحْيٍ مِنْهُ، لأّنَّهُ تَرَكَ مُشَارَكَةَ القَوْمِ الكَافِرِينَ مِنْ أَهْلِ مِصْرَ وَفَلَسْطِينَ فِي عِبَادَةِ مَا يَعْبُدُونَ مِنْ أَصْنَامٍ وَآلِهَةٍ مِنْ دُونِ اللهِ تَعَالَى، وَيَكْفُرُونَ بِالآخِرَةِ وَبِالحِسَابِ وَالجَزَاءِ. وَأَنَّهُ آمَنَ بِاللهِ وَحْدَهُ إلهاً وَاحِداً وَالإِخْبَارُ بِمَا يَأْتِي.